وداعاً لليمن – 59 والاخيرة

بزاوية اليوم أنهي “دفاتر الأيام”

أخذت صنعاء تضيق بي وبصاحبي بعد أن عبرنا شتائها القارس إلى ربيعها البهيج، أو بالأصح أننا ضقنا بنفسينا ذرعاً ونحن نتجول على غير هدى لنأوي بعد ذلك منهكين إلى منزر الزميل الكريم عبدالله الضالعي في بستان السلطان، وقد أخذ يظهر علينا ما يظهر على الخيول إذا طال إستجمامها والذي شخصه المتنبي بقوله:

يقول لي الطبيب أكلت شيئاً… وداؤك في شرابك والطعام.

وما في طبه أني جواد.. أضر بجسمه طول الجمام

من ناحية أخرى ، فقد طارت السكرة وجائت الفكرة، حيث أخذ الحنين يهزني إلى أم العيال وإلى طفلي الوليد آنذاك خالد، فقد بدت عدن أبعد من المريخ، وكانت مسألة خروج العائلات دونها خرط القتاد، إلا إذا كنت “غير محظوظ” مثل رئيس وزراء عدن الأسبق محمد علي هيثم وهو من أبرز قادة الصف الأول للجبهة القومية وقد هرب من موسكو إلى القاهرة وطالب بعائلته من دون جدوى، فقرر الزواج استئناساً إلى الحلال، فلما عرف جماعتنا بذلك وبموعد الزفاف شحنوا عائلته لتحضر الحفل أملا في ان تنغص عليه فرحته، وطبعا فهذ لعب على أعلى مستوى إذ كيف له ان يهنأ بعيداً عن الأحضان الدافئة للدولة… لذلك فقد أعقبت حفل زفافه محاولتان لاغتياله في وضح النهار بمدينة القاهرة.

ومما زاد الطين بلة أن الأخ الكبير في الشمال آنذاك واسمه “محمد خميس” استدعانا إلى مكتبه العامر وتحدث إلينا عن إنسانيته مشيراً إلى أنه لا يغرق المعتقلين في بركة المياه التي أشار إليها ولا يعلقهم من أعقابهم في السقف ولا يخفيهم في مخابئ تحت الأرض ما من طريق إليها سوى كوة في السقف يرمى من خلالها الأكل إليهم، وكان في ذلك كله يطمئننا ويبعث السرور في نفسينا، وقد غادرناه شاكرين ومقدرين.

وهكذا أخذنا نفكر وندبر وقد ضاقت علينا الارض بما رحبت حتى جائ ذلك اليوم الحزين الذي قررنا فيه مغادرة يمننا، ولم يحتمل صاحبي وطأة الاغتراب، أما أنا فما زلت فيه منذ ذلك اليوم من شهر إبريل من العام 1974.

وهكذا بعد أن قلنا وداعاً لعدن قلنا وداعاً لليمن بأسرها.

إنتهى

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s