جوائز الفشل الفرنسية تعبير ديمقراطي عن حق الفاشل في أن ينال التهنئة تماماً بتمام كالناجح الذي يكفيه نجاحه، خاصة إذا كان الفاشل قد سقط بجدارة بعد أن أبلى بلاءً حسناً، فلم يغش في اللعب، ولم يضرب تحت الحزام. وأعتقد أن منظمي وحكام مهرجان الدعاية والماء المالح الفرنسي قد طُبعوا على شيء من الرقة وخفة الدم، وهم يدركون في حقيقة الأمر أن جائزة الفشل ليست للتشفّي، ولكنها لتخفيف وقع المصاب، وللحث على البدء من جديد لإدراك النجاح، ومن جانبهم يتلقى المكرّمون الجائزة بروح رياضية تجعلهم يظهرون أمام الرأي العام بعيداً عن الكآبة المنتظرة والإنزواء المحرج عن دائرة الأضواء، وفي الوقت نفسه فإنهم يعلّمون صغار الفاشلين أن أول درجات النجاح وأقواها هي استيعاب درس الفشل…
ربما كان الرئيس الفرنسي الحالي جاك شيراك هو النموذج الأمثل للناجحين الفاشلين أو الفاشلين الناجحين – إذا شئت – لأن حياته السياسية سلسلة من الفشل والنجاح، ولكن الذي ميّزها دائماً هو إصراره على الوصول إلى القمة مهما كان الثمن. وفي بدايات حملة انتخابات الرئاسة كانت موازين الاستطلاعات تميل بشدة تجاه إدوارد بالادور الذي بدا – في هيئته الارستقراطية وكبرياء نظراته – وكأنه قد ضمن الوصول، إلا أن كفاح شيراك وثقته بنفسه قد لعبا دوراً في تماسكه وعمله الدائب لاستمالة الرأي العام وحشد القوى حتى حقق حلمه العتيد، واضطر بالادور أن ينحني للعاصفة في الجولة الثانية مؤيداً رئيسه الذي سبق أن رشحه لرئاسة الوزراء، حيث حقق بالادون نجاحات لا يمكن إغفالها، واستطاع في الوقت ذاته التعايش مع الرئيس الفرنسي ميتران، واقتسام كعكة السلطة دون إعمال المخالب، أو التلاعب بالمصالح الوطنية… ولكنه مثل كثير من السياسيين طمع في استثمار نجاحاته ضد رئيس حزبه شيراك فخسر كرسي الرئاسة وكرسي رئاسة الوزراء معاً، ومن أكل بيديه اختنق.
أما الحاصل على الجائزة الذهبية – “بالادونر حصل على الفضية” – وهو مارك باجو الملاح الفرنسي الشهير، فقد كان ذلك بسبب فشله في التحدي الفرنسي لعبور الأطلسي بالزوارق الشراعية. ومن ضمن أشياء كثيرة يذكرنا هذا بأهمية الرياضة في عالم اليوم، وما تبنيه الشعوب عليها من آمال لتقديم نفسها إلى العالم، وتحسين وتلميع صورتها الدولية، وربما حين يفكر بالعبور مرة أخرى تكون ميدالية الفشل معلقة على صدره لتذكره بنقيضها. أما صاحب البرونزية سيرج جيلي، فقد استحقها لفشله في تطوير صحيفته على غرار صحيفة التايمز البريطانية، أترى كانت هذه القرصة ضد التقليد والإتباع لا التجديد والإبتكار، أم أنها كانت تبكيتاً لعملية إطلاق الوعود دون تحقيقها، وما أكثر الذين يطلقونها في عالمنا.