محطة سفر

بدأ موسم السياحة والسفر، وفي الصيف يحلو السّمر، خاصة في أقطار الوطن العربي الواقعة على البحر المتوسط، حيث الاعتدال والنسائم وما إلى ذلك. أما جنوب الوطن العربي الملتهب من حرارة الشمس فإن الناس تشدّ الرحال ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وتحظى أوروبا وأقطار الشرق الآسيوي بنصيبها الوافر من سياحتنا، وهذا أمر متوقع في عالم تقاربت أطرافه وأصبحت السياحة فيه صناعة وأيّ صناعة، تقيم أود الدول، وتعدل موازين مدفوعاتها، وتعرّف بحضاراتها وصناعاتها ولغاتها.

ويبدو لي أن وطننا العربي في صناعة السياحة كالواقف على باب الله، ما جاء فأهلاً به، وما ذهب فلا أسف عليه. حقاً أن هناك ضجيجاً كبيراً حول الأمر، ولكن الأعمال قليلة، والصلاح أقل، الأمر الذي ينطبق عليه المثل العربي: “أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً”. وقد شعرت بهذا الواقع شعوراً عميقاً خلال زيارة أخيرة قمت بها إلى جمهورية (التشيك) مؤخراً، فهذا البلد الذي وصفه بحق أحد الزملاء الصحفيين العرب المقيمين في (براغ) وهو الأستاذ (عبدالإله النعيمي) بقوله: “إنه عملاق سياحي لا يرى بالعين المجردة”. تصوروا أن هذا البلد الذي لا يزيد عدد سكانه عن عشرة ملايين نسمة استقبل خلال العام الماضي (1994) ثمانين مليوناً من السياح، أي بمعدل 8 سياح مقابل كل مواطن. هل جاء ذلك بمحض الصدفة، أو بالوقوف على باب الله؟ لا… أبداً وإنما العمل والتخطيط وخلق قاعدة للسياحة بمعناها الشامل، وإلا فمن ذا الذي يعيل ويسكن وينظم حركة 80 مليوناً من البشر يتدفقون كالجراد المنتشر في حركة لا تنقطع، ومن الذي يديم تلك المآثر والمباني التاريخية والمعالم التي تجتذب هؤلاء الناس. لقد شاهدت في (براغ) ورشة لا تتوقف لإدامة مباني ومساحات ومعالم العاصمة حتى تليق بسمعتها ولا تصبح أثراً بعد عين. وأخبرني أحد رجال الأعمال العرب المقيمين هناك بأن (التشيك) يستغلون كل إمكانية متاحة، حتى إنك لتستطيع القول إن خلف كل نبع ماء مصحاً للاستشفاء، مستفيدين بذلك من شهرة بلادهم العالمية بالمياه المعدنية. إن عالمنا العرب يزخر بإمكانيات لا تُضاهى، ولكنها ليست مُستغَلة بالقدر الكافي، وليست مَخدومة بالصورة المطلوبة، ولا يحيطها من الدعاية ما يليق بها، وما يجعلها حاضرة في أذهان الناس على الدوام، وخاصة في البلدان المصدّرة للسياح، فكما نعلم أنه مثل كل سلعة هناك بُلدان مصدرة للسياحة، وهناك بلدان مُستقبله، وهناك بلدان ثالثة تعمل في الاتجاهين. ويحضرني مثال للنجاح العربي المحدود، حيث قرأت أن عدد السياح من (الجمهورية التشيكية) الصغيرة إلى (تونس) الخضراء خلال العام الماضي قد بلغ حوالي مائتي ألف سائح، وهو رقم كبير بكل المقاييس، وخاصة مقاييس البَلدين، على الرغم من أن التشيكيين بالمقاييس الأوروبية الغربية ليسوا من ذوي اليسار والدعة والغِنى، كجيرانهم الألمان الذين يقصفون بلدان وسط أوروبا ليل نهار بمدافع المارك العملاقة التي تفتح كل القلاع والحصون. وأعتقد أن القطاع الخاص العربي هو المكلف بهذه المهمة اليسيرة العسيرة في آن، أما الحكومات فما عليها سوى أن تخفف من تدخلاتها، وتبسّط من إجراءاتها، وتكف عن جباياتها المباشرة، فسيأتي الخير إلى خزائنها في نهاية المطاف على طبقٍ من ذهب.

اترك تعليقًا